الجمعة، 20 مارس 2015

هل تعرف الكيمياء التوافقيه؟؟؟



يولّد جهاز المناعة بروتينات تعرف بالأضداد (الأجسام المضادة) antibodies تقوم بمحاربة المرض، عن طريق ارتباطها بالكائنات organisms المهاجمة. ويستطيع الجسم أن يكوّن نحو ثلاثة تريليونات من الأضداد المختلفة وذلك بخلط وإعادة خلط مكوناتها. لكن نظام المناعة لا يتمتع بالقدرة على إبداع ضدٍّ متخصص كلما واجه مُمْرِضا pathogen جديدا. وبدلا من ذلك فإن الجسم ينشر فقط تلك الأضداد المتوافرة لديه وبشكل انتقائي؛ لتقوم بمقاومة عدو foe ما بدرجة عالية من الكفاءة. ويقوم جهاز المناعة بذلك من حيث المبدأ، بوساطة اختبار (مسح) شامل لذخيرته repertoire من الأضداد، وتعرّف أقدرها على العمل وتكوين المزيد منها. وخلال السنوات القليلة الماضية؛ بدأنا مع كيميائيين آخرين بتقليد نموذج الطبيعة من أجل تطوير عقاقير جديدة. ففي عملية سُميت بالكيمياء التوافيقية combinatorial chemistry نحضِّر عدا كبيرا من المركبات المتقاربة التركيب ثم نقوم بمسح هذه المجموعة لانتقاء المركبات التي يمكن أن تتمتع بقيمة طبية.

ويختلف هذا التوجه عن الطريقة الأكثر شيوعا والتي يتبعها صناع الصيدلانيات (الأدوية) pharmaceuticalsلاكتشاف عقاقير جديدة؛ إذ إنهم يبدءون بالبحث عن مؤشرات إلى نشاط مرغوب في أي شيء تقريبا يمكنهم العثور عليه، ومثال ذلك المجموعات المتعددة من المركبات الاصطناعية أو المواد الكيماوية المستخلصة من البكتيريا أو النباتات أو أية مصادر طبيعية أخرى. وحالما يعثرون على مادة واعدة (تعرف في هذا المجال بالمركب الدليل lead compound) يبدءون في المختبر بإدخال تعديلات على تركيب هذه المادة، واحد تلو الآخر، ثم يقومون بفحص المركب بعد كل تعديل، ليحددوا أثر هذا التغيير في خواصه الكيميائية والبيولوجية.

يستطيع الباحثون من خلال خَلط ومضاهاة قوالب البناء الجزيئية في التقنية المعروفة بالكيمياء التوافيقية تحضير عدد هائل من التراكيب وبصورة سريعة. وتظهر الإنسالة (الروبوت) (في الأعلى) وهي تنقل المواد الكيميائية الفعالة التي استُخدمت لبناء حشد كبير من المركبات (في الصفحة المقابلة).

وغالبا ما توصل هذه الطرق إلى مركب آمن وله مفعول مقبول. وإلى أن يجد أحد المركبات، التي حُضِّرت بهذا الأسلوب، طريقه إلى السوق يكون الباحثون خلال مسيرتهم قد عدَّلوا في تركيبٍ أو استبعدوا آلاف المركبات الأخرى. وتستهلك هذه الطريقة الكثير من الوقت كما أنها ذات كلفة عالية؛ لأن الانتقال من مرحلة اكتشاف المركب الدليل في المختبر، وحتى وصول الدواء إلى رفوف الصيدليات، يستغرق عدة سنوات ويكلف مئات الملايين من الدولارات.

لقد تم تطوير هذا الأسلوب التقليدي بوساطة تجارب المسح screening التي تعمل بسرعة أكبر ووثوقية أعلى من السابق، وتزودنا بمعلومات حول كيفية تأثير تعديل تركيب الجزيئات في نشاطها البيولوجي. لكن تقدم العلوم الطبية زاد من الحاجة إلى عقاقير يمكنها اعتراض مراحل المرض والتدخل فيها. وحتى نتوصل لهذه العقاقير يحتاج الباحثون إلى مسح العديد من المركبات، وإلى طريقة توصلهم إلى الأدلة التي تحتاج إلى أقل قدر من التعديلات على تركيبها.

التوصل إلى التوافيق الصحيحة
إن الكيمياء التوافيقية تتجاوب مع هذه الحاجة، فهي تمكن الباحث في مجال العقاقير، وبسرعة، من تكوين عدة ملايين من الجزيئات المتقاربة في التركيب. إضافة إلى ذلك، فهي ليست ككل الجزيئات، ولكنها جزيئات يتوقع الكيميائي أن تكون لها خاصية بعينها نظرا إلى معرفته المسبقة بخواص المواد الأولية. إن مسح حشد كبير من المركبات المتكونة يؤدي إلى أكثر الخيارات فاعلية. وهكذا فإن الكيمياء التوافيقية يمكنها أن تقدم أفضل العقاقير المؤهلة لإجراء الاختبارات السريرية بشكل أسرع وكلفة أقل مما عُرِف سابقا.

ويقوم الكيميائيون بعمل التجمعات التوافيقية، أو الربائد (المكتبات) libraries، للمركبات القابلة للمسح، بشكل مبسط جدا. ويعتمدون في ذلك على تفاعلات كيميائية قياسية لتحويل مجموعات مختارة من قوالب البناء إلى تنوع هائل من المركبات الأكبر حجما. وكمثال بسيط على ذلك، افترض وجود أربعة جزيئات: A1، A2، B1، B2، وأن هناك علاقة في تركيب كل من الجزيئين A1 و A2 لأنهما من مركبات فصيلة واحدة، أما B1 و B2فينتميان إلى فصيلة ثانية. ولنفترض أن مركبات هاتين الفصيلتين يمكن أن تتفاعلا لِتُنْتِجا عددا كبيرا من الجزيئات، نتوقع أن يكون من بينها عقار فعّال. ففي مثل هذه الحالة فإن تقنية الكيمياء التوافيقية تمكننا، وبسهولة، من بناء كل الاتحادات مثل B2-A2،B1-A2، B2-A1، B1-A1 .

وبطبيعة الحال فإن العلماء في تجاربهم يتعاملون مع عدد أكبر بكثير من هذه الجزيئات. ومثال ذلك، أن نختار ثلاثين مركبا  تربطها خاصة تركيبية واحدة مثل اشتراكها في احتواء مجموعة أمينية (NH2¯). ثم نختار مجموعة أخرى من المركبات التي يشتمل كل منها على مجموعة كربوكسيل CO2H)   carboxyl-). وبعدها، وتحت ظروف مناسبة، نقوم بخلط هذه المركبات ونزاوج بين كل مجموعة أمينية ومجموعة كربوكسيلية لتتكون جزيئات جديدة تسمى الأميدات CONH-)  amides-). إن تفاعل كل من الأمينات الثلاثين مع كل من الأحماض الكربوكسيلية الثلاثين الأخرى يعطينا ما مجموعه30 × 30، أو 900، اتحاد مختلف. ولو كان لنا أن نضيف مجموعة أخرى من ثلاثين مركبا آخر، فإن العدد الكلي للتركيبات الناجمة عن ذلك سيكون 27000 ( 30 × 30 × 30) تركيب. وإذا ما أخذنا أكثر من ثلاثين مركبا من كل مجموعة فإن عدد النواتج النهائية سيرتفع كثيرا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق